Monday, April 23, 2007

جرائم الشيعة عبر العصور

اخوتي الاعزاء اود ان اعرف ما هو

وجه التقارب بين هذا الدين وديننا الحنيف

فارجو منكم ان لاتهمكم لومة لائم فقولوا الحق
والله المستعان



5 comments:

Anonymous said...

menteurs que vous etes vos genres de chiites nous n'y fesons pas partie ! Moi je suis un chiite convaincu qui vous deteste avec vos mensonges sans limites !CHIM , si vous ne vous ressaisissez pas vous le regretterez

Anonymous said...

أعوذبالله من الشيطان الرجيم : ويمكرون ويمكرالله والله خير الماكرين . يريدون ليطفئوا نورالله بأفواههم والله متمّ نوره ولوكره الكافرون (صدق الله العلي العظيم

Anonymous said...

أسباب الاستبصار

أما الاسباب التي دعتني للاستبصار فكثيرة جدا ولا يمكن لي في هذه العجالة إلا ذكر بعض الامثلة منها :

1 - النص على الخلافة
لقد اليت على نفسي عند الدخول في هذا البحث أن لا أعتمد إلا ما هو موثوق عند الفريقين وأن أطرح ما انفردت به فرقة دون الاخرى ، وعلى ذلك أبحث في فكرة التفضيل بين أبي بكر وعلي بن أبي طالب وأن الخلافة إنما كانت بالنص على علي كما يدعي الشيعة أو بالانتخاب والشورى كما يدعي أهل السنة والجماعة .
والباحث في هذا الموضوع إذا تجرد للحقيقة فإنه سيجد النص على علي بن أبي طالب واضحا جليا كقوله صلى الله عليه وآله : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » قال ذلك بعد ما انصرف من حجة الوداع فعقد لعلي موكب للتهنئة حتى أن أبا بكر نفسه وعمر كانا من جماعة المهنئين للامام ويقولان : « بخ بخ لك يا أبن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة »(1).
____________
( 1 ) مسند الامام أحمد بن حنبل ج 4 ص 281 سر العالمين للامام الغزالي ص 12 . تذكرة الخواص لابن الجوزي ص 29 الرياض النضرة للطبري ج 2 ص 169 كنز العمال ج 6 ص 397 البداية والنهاية لابن كثير ج 5 ص 212 تاريخ ابن عساكر ج 2 ص 50 تفسير الرازي ج 3 ص 63 الحاوي للفتاوي للسيوطي ج 1 ص 112 .
( 162 )
وهذا النص مجمع عليه من الشيعة والسنة ، ولم أخرج أنا في البحث - هذا - إلا مصادر أهل السنة والجماعة ومع ذلك لم أذكر المصادر كلها فهي أكثر بكثير مما ذكرت ، وللاطلاع على مزيد من التفصيل ادعو القارئ إلى مطالعة كتاب الغدير للعلامة الاميني وقد طبع منه ثلاثة عشر مجلدا يحصي فيها المصنف رواة هذا الحديث من طريق أهل السنة والجماعة .
أما الاجماع المدعى على انتخاب أبي بكر يوم السقيفة ثم مبايعته بعد ذلك في المسجد ، فإنه دعوى بدون دليل ، إذ كيف يكون الاجماع وقد تخلف عن البيعة علي والعباس وسائر بني هاشم كما تخلف أسامة بن زيد والزبير وسلمان الفارسي وأبوذر الغفاري والمقداد بن الاسود وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وخزيمة بن ثابت وأبوبريدة الاسلمي والبراء بن عازب واُبي بن كعب وسهل بن حنيف وسعد بن عبادة وقيس بن سعد وأبوأيوب الانصاري وجابر بن عبدالله وخالد بن سعيد وغير هؤلاء كثيرون(1).
فأين الاجماع المزعوم يا عباد الله ؟ على أنه لو كان علي بن أبي طالب وحده تخلف عن البيعة لكان ذلك كافيا للطعن في ذلك الاجماع إذ أنه المرشح الوحيد للخلافة من قبل الرسول على فرض عدم وجود النص المباشر عليه .
وإنما كانت بيعة أبي بكر عن غير مشورة بل وقعت على حين غفلة من الناس وخصوصا أولي الحل والعقد منهم كما يسميهم علماء المسلمين إذ كانوا مشغولين بتجهيز الرسول ودفنه ، وقد فوجئ سكان المدينة المنكوبة بموت نبيهم وحمل الناس على البيعة بعد ذلك قهرا(2). كما يشعرنا بذلك تهديدهم بحرق بيت فاطمة إن لم يخرج المتخلفون عن البيعة فكيف يجوز لنا بعد هذا أن نقول بأن البيعة كانت بالمشورة وبالاجماع .
وقد شهد عمر بن الخطاب نفسه بأن تلك البيعة كانت فلتة وقى الله
____________
( 1 ) تاريخ الطبري ، تاريخ ابن الاثير ، تاريخ الخلفاء ، تاريخ الخميس ، الاستيعاب ، وكل من ذكر بيعة أبي بكر .
( 2 ) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 1 ص 18 .
( 163 )
المسلمين شرها ، وقال فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ؛ أو قال فمن دعا إلى مثلها فلا بيعة له ولا لمن بايعه(1).
ويقول الامام علي في حقها : « أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير(2).
ويقول سعد بن عبادة سيد الانصار الذي هاجم أبا بكر وعمر يوم السقيفة وحاول بكل جهوده أن يمنعهم ويبعدهم عن الخلافة ولكنه عجز عن مقاومتهم لانه كان مريضا لا يقدر على الوقوف ، وبعدما بايع الانصار أبا بكر قال سعد : والله لا أبايعكم أبدا حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي من نبل ، وأخضب سناني ورمحي ، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي ، وأقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي ولا والله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الانس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي ، فكان لا يصلي بصلاتهم ولا يجتمع بجمعتهم ، ولا يفيض بإفاضتهم ، ولو يجد عليهم أعوانا لطال بهم ، ولو بايعه أحد على قتالهم لقاتلهم ، ولم يزل كذلك حتى قتل بالشام في خلافة عمر(3).
فإذا كانت هذه البيعة فلتة وقى الله المسلمين شرها على حد تعبير عمر الذي شيد أركانها وعرفت ما آلت إليه أمور المسلمين بسببها .
وإذا كانت هذه الخلافة تقمصا - من قبل أبي بكر - كما وصفها الامام علي إذ قال بأنه هو صاحبها الشرعي .
وإذا كانت هذه البيعة ظلما كما اعتبرها سعد بن عبادة سيد الانصار الذي فارق الجماعة بسببها .
وإذا كانت هذه البيعة غير شرعية لتخلف أكابر الصحابة والعباس عم النبي عنها .
____________
( 1 ) صحيح البخاري ج 4 ص 127 .
( 2 ) شرح نهج البلاغة لمحمد عبده ج 1 ص 34 الخطبة الشقشقية .
( 3 ) تاريخ الخلفاء ج 1 ص 17 .
( 164 )
فما هي إذن الحجة في صحة خلافة أبي بكر ؟ والجواب لا حجة هناك عند أهل السنة والجماعة .
فقول الشيعة إذن هو الصحيح في هذا الموضوع ، لانه ثبت وجود النص على خلافة علي عند السنة أنفسهم ، وقد تأولوه حفاظا على كرامة الصحابة ، فالمنصف العادل لا يجد مناصا من قبول النص وبالاخص إذا عرف ملابسات القضية(1).

2 - خلاف فاطمة مع أبي بكر
وهذا الموضوع أيضا مجمع على صحته من الفريقين فلا يسع المنصف العاقل إلا أن يحكم بخطأ أبي بكر إن لم يعترف بظلمه وحيفه على سيدة النساء .
لان من يتتبع هذه المأساة ويطلع على جوانبها يعلم علم اليقين أن أبا بكر تعمد إيذاء الزهراء وتكذيبها لئلا تحتج عليه بنصوص الغدير وغيرها على خلافة زوجها وابن عمها علي ونجد قرائن عديدة على ذلك ، منها ما أخرجه المؤرخون من أنها - سلام الله عليها - خرجت تطوف على مجالس الانصار وتطلب منهم النصرة والبيعة لابن عمها ، فكانوا يقولون : « يا ابنة رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به ، فيقول علي كرم الله وجهه : أفكنت أدع رسول الله صلى الله عليه وآله في بيته لم أدفنه ، وأخرج أنازع الناس سلطانه ؟ فقالت فاطمة : ما صنع أبوالحسن إلا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم(2).
ولو كان أبو بكر مخطئا عن حسن نية أو على اشتباه لاقنعته فاطمة الزهراء ولكنها غضبت عليه ولم تكلمه حتى ماتت ، لانه رد في كل مرة دعواها ولم يقبل شهادتها ولا شهادة زوجها ولكل هذا اشتد غضبها عليه حتى أنها لم تأذن له بحضور جنازتها حسب وصيتها لزوجها الذي دفنها في الليل سرا(3)
____________
( 1 ) راجع : السقيفة والخلافة لعبد الفتاح عبد المقصود ، والسقيفة للشيخ محمد رضا المظفر .
( 2 ) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 1 ص 19 . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ( بيعة أبي بكر ) .
( 3 ) صحيح البخاري ج 3 ص 36 صحيح مسلم ج 2 ص 72 باب لا نورث ما تركناه صدقة .
( 165 )
وعلى ذكر دفنها - سلام الله عليها - سرا في الليل فقد سافرت خلال سنوات البحث إلى المدينة المنورة لاطلع بنفسي على بعض الحقائق ، واكتشفت .
أولا : أن قبر الزهراء مجهول لا يعرفه أحد فمن قائل بأنه في الحجرة النبوية ومن قائل بأنه في بيتها مقابل الحجرة النبوية ، وثالث يقول : « إنه في البقيع وسط قبور أهل البيت بدون تحديد » .
هذه الحقيقة الاولى التي استنتجت منها أنها - سلام الله عليها - أرادت بهذا أن يتسأل المسلمون عبر الاجيال عن السبب الذي دعاها أن تطلب من زوجها أن يدفنها في الليل سرا ولا يحضر جنازتها منهم أحدا ! ! ! وبذلك يمكن لاي مسلم أن يصل إلى بعض الحقائق المثيرة من خلال مراجعة التاريخ .
ثانيا : اكتشفت أن الزائر الذي يريد زيارة قبر عثمان بن عفان يمشي مسافة طويلة حتى يصل إلى آخر البقيع فيجده تحت الحائط بينما يجد أغلب الصحابة مدفونين في بداية البقيع قرب المدخل وحتى مالك بن أنس صاحب المذهب وهو من تابعي التابعين مدفون قرب زوجات الرسول ، وتحقق لدي ما قاله المؤرخون من أنه دفن بحش كوكب وهي أرض يهودية لان المسلمين منعوا دفنه في بقيع رسول الله ، ولما استولى معاوية بن أبي سفيان على الخلافة اشترى تلك الارض من اليهود وأدخلها في البقيع ليدخل بذلك قبر ابن عمه عثمان فيها والذي يزور البقيع حتى اليوم سيري هذه الحقيقة بأجلى ما تكون .
وإن عجبي لكبير حين أعلم أن فاطمة الزهراء - سلام الله عليها - أول من لحق بأبيها فبينها وبينه ، ستة أشهر على أكثر الاحتمالات ثم لا تدفن إلى جانب أبيها .
وإذا كانت فاطمة الزهراء هي التي أوصت بدفنها سرا فلم تدفن بالقرب من قبر أبيها كما ذكرت فما بال ما حصل مع جثمان ولدها الحسن لم يدفن قرب قبر جده ؟ ! فقد منعت هذا ( أم المومنين ) عائشة وقد فعلت ذلك عندما جاء الحسين بأخيه الحسن ليدفنه إلى جانب جده رسول الله ، فركبت عائشة بغلة وخرجت تنادي وتقول : لا تدفنوا في بيتي من لا أحب .
( 166 )
واصطف بنو أمية وبنو هاشم للحرب ولكن الامام الحسين قال لها أنه سيطوف بأخيه على قبر جده ثم يدفنه في البقيع لان الامام الحسن أوصاه أن لا يهرقوا من أجله ولو محجمة من دم .
وقال لها ابن عباس أبياتا مشهورة :
تجملت(1) تبغلت(2) * ولو عشت تفيلت
لك التسع من الثمن * وبالكل تصرفت
وهذه حقيقة أخرى من الحقائق المخيفة ، فكيف ترث عائشة كل البيت من بين أزواج النبي المتعددات وهن تسع نساء حسب ما قاله ابن عباس :
وإذا كان النبي لا يورث كما شهد بذلك أبو بكر نفسه ومنع ذلك ميراث الزهراء من أبيها فكيف ترث عائشة ؟ فهل هناك في كتاب الله آية تعطي الزوجة حق الميراث وتمنع البنت ؟ أم أن السياسة هي التي أبدلت كل شيء فحرمت البنت من كل شيء وأعطت الزوجة كل شيء ؟ .
وبالمناسبة أذكر هنا قصة طريفة ذكرها بعض المؤرخين ولها علاقة بموضوع الارث .
قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة : جاءت عائشة وحفصة ودخلتا على عثمان أيام خلافته وطلبتا منه أن يقسم لهما إرثهما من رسول الله صلى الله عليه وآله .
وكان عثمان متكئا فاستوى جالسا وقال لعائشة :
أنت وهذه الجالسة جئتما بأعرابي يتطهر ببوله وشهدتما أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : نحن معشر الانبياء لا نورث فإذا كان الرسول حقيقة لا يورث فماذا تطلبان بعد هذا ، وإذا كان الرسول يورث لماذا منعتم فاطمة حقها ؟ فخرجت من عنده
____________
( 1 ) إشارة إلى ركوبها الجمل في حرب الجمل المشهورة .
( 2 ) إشارة إلى ركوبها البغلة يوم منعت دفن الحسن بجانب جده .
( 167 )
غاضبة وقالت : أقتلوا نعثلا فقد كفر(1).

3 - علي أولى بالاتباع
ومن الاسباب التي دعتني للاستبصار وترك سنة الآباء والاجداد ، الموازنة العقلية والنقلية بين علي بن إبي طالب وأبي بكر .
وكما ذكرت في الابواب السابقة من هذا البحث إني أعتمد على الاجماع الذي يوافق عليه أهل السنة والشيعة .
وقد فتشت في كتب الفريقين فلم أجد إجماعا إلا على علي بن أبي طالب فقد أجمع على إمامته الشيعة والسنة في ما ورد من نصوص ثبتتها مصادر الطرفين ، بينما لا يقول بإمامة أبي بكر إلا فريق من المسلمين وقد كنا ذكرنا ما قاله عمر عن بيعة أبي بكر ؛ كما أن الكثير من الفضائل والمناقب التي يذكرها الشيعة في علي بن أبي طالب لها سند ووجود حقيقي ثابت في كتب أهل السنة المعتمدة عندهم ، ومن عدة طرق لا يتطرق إليها الشك ، فقد روى الحديث في فضائل الامام علي جمع غفير من الصحابة ، حتى قال أحمد بن حنبل :
ما جاء لاحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من الفضائل كما جاء لعلي بن أبي طالب(2).
وقال القاضي إسماعيل والنسائي وأبوعلي النيسابوري : لم يرد في حق أحد من الصحابة بالاسانيد الحسان ماجاء في علي(3).
هذا مع ملاحظة أن الامويين حملوا الناس في مشارق الارض ومغاربها على سبه ولعنه وعدم ذكر فضيلة له حتى منعوا أن يتسمى أحد باسمه ، ومع كل ذلك
____________
( 1 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 16 ص 220 - 223 .
( 2 ) المستدرك على الصحيحين للحاكم ج 3 ص 107 المناقب للخوارزمي ص 3 و 19 .
تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 168 الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي ص 72 .
تاريخ ابن عساكر ج 3 ص 63 شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج 1 ص 19 .
( 3 ) الرياض النضرة للطبري ج 2 ص 282 الصواعق المحرقة لابن حجر ص 118 وص 72 .
( 168 )
خرجت فضائله ومناقبه سلام الله عليه رغم الجحود ؛ وفي ذلك يقول الامام الشافعي : « عجبت لرجل كتم أعداؤه فضائله حسدا ، وكتمها محبوه خوفا ، وخرج ما بين ذين ما طبق الخافقين » .
أما بشأن أبي بكر فقد فتشت أيضا في كتب الفريقين فلم أجد له في كتب أهل السنة والجماعة القائلين بتفضيله ما يوازي أو يعادل فضائل الامام علي ، على أن فضائل أبي بكر المذكورة في الكتب التاريخية مروية إما عن ابنته عائشة وقد عرفنا موقفها من الامام علي فهي تحاول بكل جهدها دعم أبيها ولو بأحاديث موضوعة أو عن عبدالله بن عمر وهو أيضا من البعيدين عن الامام علي وقد رفض مبايعته بعدما أجمع الناس على ذلك وكان يحدث أن أفضل الناس بعد النبي أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم لا تفاضل والناس بعد ذلك سواسية(1) يعني هذا الحديث أن عبدالله بن عمر جعل الامام علي من سوقة الناس كأي شخص عادي ليس له فضل ولا فضيلة .
فأين عبدالله بن عمر من الحقائق التي ذكرها أعلام الامة وأئمتها بأنه لم يرد في أحد من الصحابة بالاسانيد الحسان ماجاء في علي بن أبي طالب ، هل أن عبدالله بن عمر لم يسمع بفضيلة واحدة لعلي ؟ بلى والله لقد سمع ووعى ولكن السياسة وما أدراك ما السياسة فهي تقلب الحقائق وتصنع الاعاجيب .
كذلك يروي فضائل أبي بكر ، كل من عمرو بن العاص وأبوهريرة وعروة وعكرمة وهؤلاء كلهم يكشف التاريخ أنهم كانوا متحاملين على الامام علي وحاربوه إما بالسلاح وإما بالدس واختلاق الفضائل لاعدائه وخصومه .
قال الامام أحمد بن حنبل : إن عليا كان كثير الاعداء ففتش أعداؤه عن شيء يعيبونه به فلم يجدوا ، فجاؤوا إلى رجل قد حاربه وقاتله ، فأطروه كيدا منهم له(2).
____________
( 1 ) صحيح البخاري ج 2 ص 202 .
( 2 ) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ج 7 ص 83 تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 199 ، الصواعق المحرقة لابن حجر ص 125 .
( 169 )
ولكن الله يقول : ( إنهم يكيدون كيدا ، وأكيد كيدا ، فمهل الكافرين أمهلهم رويدا )(1).
وإنه لمن معجزات الله سبحانه أن تخرج فضائل الامام على بعد ستة قرون من الحكم الجائر الظالم له ولاهل بيته ، إذ لم يكن العباسيون أقل بغضا وحسدا ونكاية وتقتيلا لاهل البيت النبوي من أسلافهم الامويين حتى قال أبوفراس الحمداني في ذلك :

ما نال منهم بنو حرب وإن عظمت * تلك الجرائر إلا دون نـيـلـكـم
كم غدرة لكم فـي الدين واضحـة * وكـم دم لـرسول الله عـندكـم
أنتم له شيعــة في ما ترون وفي * أظفاركم من بنيه الطاهــرين دم

فإذا خلصت بعد كل ذلك تلكم الاحاديث وخرجت من تلكم الظلمات فلتكن لله الحجة البالغة ، ولئلا يكون للناس على الله حجة بعد ذلك .
ورغم أن أبا بكر كان هو الخليفة الاول وله من النفوذ ما قد عرفنا ورغم أن الدولة الاموية كانت تجعل عطاء خاصا ورشوة لكل من يروي في حق أبي بكر وعمر وعثمان ورغم أنها اختلقت لابي بكر من الفضائل والمناقب الكثير مما سودت بها صفحات الكتب ، مع ذلك فلم يبلغ معشار عشر حقائق الامام علي وفضائله ، أضف إلى ذلك أنك إذا حللت الاحاديث المروية في فضائل أبي بكر وجدتها لا تتماشى مع ما سجله له التاريخ من أعمال تناقض ما قيل فيه ولا يقبلها عقل ولا شرع وقد تقدم شرح ذلك في حديث « لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أمتي لرجح إيمان أبي بكر » ولو كان يعلم رسول الله أن أبا بكر على هذه الدرجة من الايمان ماكان ليؤمر عليه أسامة بن زيد ولا ليمتنع من الشهادة له كما شهد على
____________
( 1 ) سورة الطارق : آية 15 ، 16 ، 17 .
( 170 )
شهداء اُحد وقال له إني لا أدري ماذا تحدث من بعدي حتى بكى أبو بكر(1) ، وماكان ليرسل خلفه علي بن أبي طالب ليأخذ منه سورة براءة فيمنعه من تبليغها(2) ، وما كان قال يوم إعطاء الراية في خيبر : لاعطين رايتي غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا ليس فرارا امتحن الله قلبه بالايمان ؛ فأعطاها إلى علي ولم يعطها إليه(3).
ولو علم الله أن أبا بكر على هذه الدرجة من الايمان وأن إيمانه يفوق إيمان أمة محمد بأسرها فلم يكن الله سبحانه ليهدده بإحباط عمله عندما رفع صوته فوق صوت النبي(4). ولو علم علي بن أبي طالب والصحابة الذين اتبعوه أن أبا بكر على هذه الدرجة من الايمان ما جاز لهم أن يتخلفوا عن بيعته ولو علمت فاطمة الزهراء سيدة النساء أن أبا بكر على هذه الدرجة من الايمان ما كانت لتغضب عليه وتمتنع عن الكلام معه وعن رد السلام عليه وتدعو الله عليه في كل صلاة(5) ، ثم لا تأذن له - حسب ما ورد في وصيتها - حتى بحضور جنازتها .
ولو علم أبو بكر أنه على هذه الدرجة من الايمان ما كان ليتمنى عند احتضاره أنه لو لم يكن يكشف بيت فاطمة ( ع ) .
وأنه لو لم يكن أحرق الفجاءة السلمي ، ولكان يوم السقيفة قذف الامر في عنق أحد الرجلين عمر أو أبي عبيدة(6).
فالذي هو على هذه الدرجة من الايمان ويرجح إيمانه على إيمان كل الامة لا يندم في آخر لحظات حياته على ما فعله مع فاطمة وعلى حرقه الفجاءة السلمي وعلى توليه الخلافة ، كما لا يتمنى أن لا يكون من البشر ويكون شعرة أو بعرة ، أفيعادل إيمان مثل هذا الشخص إيمان الامة الاسلامية بل يرجح عليها ؟ ! .
____________
( 1 ) موطأ الامام مالك ج 1 ص 307 مغازي الواقدي ص 310 .
( 2 ) صحيح الترمذي ج 4 ص 339 مسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 319 مستدرك الحاكم ج 3 ص - 51
( 3 ) صحيح مسلم باب فضائل علي بن أبي طالب .
( 4 ) صحيح البخاري ج 4 ص 184 .
( 5 ) الامامة والسياسة ج 1 ص 14 رسائل الجاحظ ص 301 أعلام النساء ج 3 ص 1215 .
( 6 ) تاريخ الطبري ج 4 ص 52 الامامة والسياسة ج 1 ص 18 تاريخ المسعودي ج 1 ص 414 .
( 171 )
وإذا أخذنا حديث « لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا » .
فهو كسابقه ، إذ أين كان أبو بكر يوم المؤاخاة الصغرى في مكة قبل الهجرة ويوم المؤاخاة الكبرى في المدينة بعد الهجرة وفي كلتيهما اتخذ رسول الله صلى الله عليه وآله عليا أخا له وقال له : « أنت أخي في الدنيا والآخرة »(1) ولم يلتفت إلى أبي بكر فحرمه من مؤاخاة الآخرة كما حرمه من الخلة ، وأنا لا أريد الاطالة في هذا الموضوع وأكتفي بهذين المثلين اللذين أوردتهما من كتب أهل السنة والجماعة ، أما عند الشيعة فلا يعترفون بتلك الاحاديث مطلقا ولديهم الادلة الواضحة على أنها وضعت في زمن متأخر عن زمن أبي بكر .
هذا وإذا تركنا الفضائل وبحثنا في المساوئ فإننا لا نحصى لعلي بن أبي طالب سيئة واحدة من كتب الفريقين ، بينما نجد لغيره مساويء كثيرة في كتب أهل السنة كالصحاح وكتب السير والتاريخ .
وبهذا يكون الاجماع من الفريقين يختص بعلي وحده كما يؤكد التاريخ أن البيعة الصحيحة لم تكن إلا لعلي وحده .
فقد امتنع هو وأصر عليها المهاجرون والانصار وقعد عن بيعته نفر فلم يجبرهم عليها ، بينما كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها - كما يقول عمر بن الخطاب - وكانت خلافة عمر بعهد عهده إليه أبو بكر وكانت خلافة عثمان مهزلة تاريخية ، ذلك أن عمر رشح ستة للخلافة وألزمهم أن يختاروا من بينهم واحدا وقال إذا اتفق أربعة وخالف إثنان فاقتلوهما وإذا انقسم الستة إلى فريقين ثلاثة في كل جهة فخذوا برأي الثلاثة الذين يقف معهم عبدالرحمن بن عوف ، وإذا مضى وقت ولم يتفق الستة فاقتلوهم ، والقصة طويلة وعجيبة ، والمهم أن عبدالرحمن بن عوف اختار عليا واشترط عليه أن يحكم فيهم بكتاب الله وسنة رسوله وسنة الشيخين أبي بكر وعمر فرفض علي هذا الشرط ، وقبله عثمان فكان
____________
( 1 ) تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 23 تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 ص 107 .
المناقب للخوارزمي ص 7 الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 21 .
( 172 )
هو الخليفة ، وخرج علي من البيعة وهو يعلم مسبقا النتيجة وقد تحدث عن ذلك في خطبته المعروفة بالشقشقية .
وبعد علي استولى معاوية على الخلافة فأبدلها قيصرية ملكية يتداولها بنو أمية ومن بعدهم بنو العباس إبنا عن أب ولم يكن هناك خليفة إلا بنص السابق على اللاحق أو بقوة السيف والسلاح والاستيلاء ، فلم تكن هناك بيعة صحيحة(1) في التاريخ الاسلامي من عهد الخلفاء وحتى عهد كمال أتاتورك الذي قضى على الخلافة الاسلامية إلا لامير المؤمنين علي بن أبي طالب .

4 - الاحاديث الواردة في علي توجب اتباعه
من الاحاديث التي أخذت بها ودفعتني للاقتداء بالامام علي ، تلك التي أخرجتها صحاح أهل السنة والجماعة وأكدت صحتها والشيعة عندهم أضعافها ولكن - وكالعادة - سوف لا أستدل ولا أعتمد إلا الاحاديث المتفق عليها من الفريقين ، ومن هذه الاحاديث .
أ - حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها »(2)
وهذا الحديث وحده كاف لتشخيص القدوة الذي ينبغي اتباعه بعد الرسول صلى الله عليه وآله ، لان العالم أولى بالاتباع ، أولى أن يقتدى به من الجاهل .
قال تعالى : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )(3).
وقال أيضا : ( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدّي إلا أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون )(4) ومن المعلوم أن العالم هو الذي يهدي والجاهل يستحق الهداية وهو أحوج إليها من أي أحد
____________
( 1 ) أي بإجماع المسلمين لم يفرضها عليهم أحد ولم تكن « فتنة» .
( 2 ) مستدرك الحاكم ج 3 ص 127 تاريخ ابن كثير ج 7 ص 358 أحمد بن حنبل في المناقب .
( 3 ) سورة الزمر : آية 9 .
( 4 ) سورة يونس : آية 35 .
( 173 )
وفي هذا الصدد سجل لنا التاريخ أن الامام عليا هو أعلم الصحابة على الاطلاق وكانوا يرجعون إليه في أمهات المسائل ولم نعلم أنه ( ع ) رجع إلى واحد منهم قط فهذا أبو بكر يقول : لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبوالحسن ، وهذا عمر يقول : لولا علي لهلك عمر(1).
وهذا ابن عباس يقول : ما علمي وعلم أصحاب محمد في علم علي إلا كقطرة في سبعة أبحر(2).
وهذا الامام علي نفسه يقول : « سلوني قبل أن تفقدوني ، والله لا تسألونني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا أخبرتكم به وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل»(3) .
بينما يقول أبو بكر عندما سئل عن معنى الاب في قوله تعالى : ( وفاكهة وأبا متاعا لكم ولانعامكم ) قال أبو بكر : أي سماء تظلني وأي أرض تقلني أن أقول في كتاب الله بما لا أعلم .
وهذا عمر بن الخطاب يقول : « كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال » ويسأل عن آية من كتاب الله فينتهر السائل ويضربه بالدرة حتى يدميه ويقول : «لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم »(4) وقد سئل عن الكلالة فلم يعلمها .
أخرج الطبري في تفسيره عن عمر أنه قال : لئن أكون أعلم الكلالة أحب إلي من أن يكون لي مثل قصور الشام .
____________
( 1 ) الاستيعاب ج 4 ص 39 مناقب الخوارزمي ص 48 الرياض النضرة ج 2 ص 194 .
( 2 ) لقد أجمعت صحاح أهل السنة وكتبهم على أفضلية علي ( ع ) وتقدمه في العلم على كل الصحابة .
راجع - على سبيل المثال ما جاء في الاستيعاب ج 3 ، ص 38 - 45 من أقوال الصحابة أنفسهم فيه وتقديمهم له عليهم .
( 3 ) المحب الطبري في الرياض النضرة ج 2 ص 198 تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 124 .
الاتقان ج 2 ص 319 فتح الباري ج 8 ص 485 تهذيب التهذيب ج 7 ص 338 .
( 4 ) سنن الدارمي ج 1 ص 54 تفسير ابن كثير ج 4 ص 232 الدر المنثور ج 6 ص 111 .
( 174 )
كما أخرج ابن ماجه في سننه عن عمر بن الخطاب قال : ثلاث لئن يكون رسول الله بينهن أحب إلي من الدنيا وما فيها : الكلالة والربا والخلافة .
سبحان الله ! حاشى لرسول الله أن يكون سكت عن هذه الاشياء ولم يبينها .
ب - حديث « يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » :
وهذا الحديث كما لا يخفى على أهل العقول فيه ما فيه من اختصاص أمير المؤمنين علي بالوزارة والوصاية والخلافة .
فكما كان هارون وزيرا ووصيا ، وخليفة موسى في غيابه عندما ذهب لميقات ربه ، كذلك أيضا منزلة الامام علي ( ع ) فهو كهارون عليه وعلى نبينا السلام وصورة طبق الاصل عنه ما عدا النبوة التي استثناها نفس الحديث ، وفيه أيضا أن الامام عليا هو أفضل الصحابة والحديث كما هو معلوم مجمع عليه عند عامة المسلمين .
ت - حديث « من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار » :
وهذا الحديث وحده كاف لرد مزاعم تقديم أبي بكر وعمر وعثمان على من نصبه رسول الله صلى الله عليه وآله وليا للمؤمنين من بعده ، ولا عبرة بمن أول الحديث إلى معنى المحب والنصير لصرفه عن معناه الاصلي الذي قصده الرسول وذلك حفاظا على كرامة الصحابة ، لان رسول الله صلى الله عليه وآله عندما قام خطيبا في ذلك الحر الشديد « قال ألستم تشهدون بأني أولى المؤمنين من أنفسهم » قالوا بلى يا رسول الله فقال عندئذ : « فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه . . » وهذا نص صريح في استخلافه على أمته ، ولا يمكن للعاقل المنصف العادل إلا قبول هذا المعنى ورفض تأويل البعض المتكلف والحفاظ على كرامة الرسول قبل الحفاظ على كرامة الصحابة لان في تأويلهم هذا استخفافا واستهزاء بحكمة الرسول الذي يجمع

Anonymous said...

ثالثا - رأي الصحابة بعضهم في بعض

1 - شهادتهم على أنفسهم بتغيير سنة النبي
عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج يوم الفطر والاضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقول مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم فإن كان يريد أن يقطع بحثا قطعه أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف ، قال أبوسعيد فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجبذت بثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل أن يصلي فقلت له غيرتم والله ؛ فقال : أبا سعيد قد ذهب ما تعلم .
فقلت ؛ ما أعلم والله خير مما لا أعلم ، فقال إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة(1).
وقد بحثت كثيرا عن الدوافع التي جعلت هؤلاء الصحابة يغيرون سنة رسول الله صلى الله عليه وآله ، واكتشفت أن الامويين وأغلبهم من صحابة النبي وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان « كاتب الوحي » كما يسمونه كان يحمل الناس ويجبرهم على سب علي بن أبي طالب ولعنه من فوق منابر المساجد ، كما ذكر ذلك المؤرخون ،
____________
( 1 ) صحيح البخاري ج 1 ص 122 من كتاب العيدين . باب الخروج إلى المصلى بغير منبر .
( 128 )
وقد أخرج مسلم في صحيحه في باب « فضائل علي بن أبي طالب » مثل ذلك ؛ وأمر - يعني معاوية - عماله في كل الامصار بإتخاذ ذلك اللعن سنة يقولها الخطباء على المنابر ، ولما استاء من ذلك بعض الصحابة واستنكر هذا الفعل أمر معاوية بقتلهم وحرقهم وقد قتل من مشاهير الصحابة حجر بن عدي الكندي وأصحابه ودفن بعضهم أحياء لانهم امتنعوا عن لعن علي واستنكروه وقد أخرج أبوالاعلى المودودي في كتابه « الخلافة والملك » نقلا عن الحسن البصري قال : أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة له :
( 1 ) أخذه الامر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة ذوو الفضيلة .
( 2 ) استخلافه بعده ابنه سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب الطنابير .
( 3 ) ادعاؤه زيادا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله الولد للفراش وللعاهر الحجر .
( 4 ) قتله حجرا وأصحاب حجر فياويلا له من حجر وياويلا له من حجر وأصحاب حجر(1).
وكان بعض المؤمنين من الصحابة يفرون من المسجد بعد الفراغ من الصلاة حتى لا يحضروا الخطبة التي تختم بلعن علي وأهل بيته ، ومن أجل ذلك غير بنو أمية سنة رسول الله وقدموا الخطبة على الصلاة حتى يحضرها الناس ويرغموا بذلك أنوفهم .
مرحى لهؤلاء الصحابة الذين لا يتورعون عن تغيير سنة الرسول وحتى أحكام الله للوصول إلى أغراضهم الدنيئة وأحقادهم الدفينة ومطامعهم الخسيسة ، ويلعنون رجلا أذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرا وأوجب الصلاة عليه كالصلاة على رسوله ، وأوجب الله ورسوله مودته وحبه حتى قال النبي : « حب علي إيمان وبغضه نفاق »(2).
ولكن هؤلاء الصحابة بدلوا وغيروا وقالوا سمعنا وعصينا وبدلا من أن
____________
( 1 ) أبوالاعلى المودودي كتاب الخلافة والملك ص 106 .
( 2 ) صحيح مسلم ج 1 ص 61 .
( 129 )
يصلوا عليه ويحبوه ويطيعوه ، شتموه ولعنوه طيلة ستين عاما كما جاء في كتب التاريخ .
فإذا كان أصحاب موسى قد تآمروا على هارون وكادوا يقتلونه ، فإن بعض أصحاب محمد قتلوا هارونه وتتبعوا أولاده وشيعته تحت كل حجر ومدر ومحوا أسماءهم من الديوان ومنعوا أن يتسمى أحد باسمه ، ولم يكتفوا بكل ذلك بل لعنوه وحملوا الصحابة المخلصين على ذلك قهرا وظلما .
وإني والله لاقف حائرا مبهوتا عندما أقرأ صحاحنا وما سجل فيها من حب الرسول لاخيه وابن عمه علي وتقديمه على كل الصحابة حتى قال فيه : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي(1).
وقال له : أنت مني وأنا منك(2) وقال : حب علي إيمان وبغضه نفاق(3) ، وقال أنا مدينة العلم وعلي بابها(4) وقال : علي ولي كل مؤمن بعدي(5) .
وقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه(6) ، ولو أردنا استقصاء الفضائل التي ذكرها النبي في علي والتي أخرجها علماؤنا معترفين بصحتها لاستوجب كتابا خاصا ، فكيف يا ترى يتجاهل الصحابة هذه النصوص ويسبون عليا وينصبون له العداء ويلعنونه فوق المنابر وكيف يقاتلونه ويقتلونه .
وإني أحاول عبثا أن أجد مبررا لهؤلاء فلا أجد غير حب الدنيا والتنافس فيها أو النفاق أو الارتداء والانقلاب على الاعقاب ، وأحاول أيضا إلصاق هذه
____________
( 1 ) صحيح البخاري ج 2 ص 305 ، مسلم ج 2 ص 360 ، مستدرك الحاكم ج 3 ص 109 .
( 2 ) صحيح البخاري ج 2 ص 76 ، صحيح الترمذي ج 5 ص 300 ، سنن إبن ماجه ج 1 ص 44 .
( 3 ) صحيح مسلم ج 1 ص 61 ، سنن النسائي ج 6 ص 117 صحيح الترمذي ج 8 ص 306 .
( 4 ) صحيح الترمذي ج 5 ص 201 مستدرك الحاكم ج 3 ص 126 .
( 5 ) مسند الامام أحمد ج 5 ص 25 مستدرك الحاكم ج 3 ص 134 ، صحيح الترمذي ج 5 ص 296 .
( 6 ) صحيح مسلم ج 2 ص 362 مستدرك الحاكم ج 3 ص 109 مسند أحمد ج 4 ص 281 .
( 130 )
المسؤولية بحثالة الصحابة وبعض المنافقين ، ولكن هؤلاء - للاسف الشديد - معدودون من أكابرهم وأفاضلهم ومشاهيرهم ، فأول من هدد بحرق بيته - بمن فيه - هو عمر بن الخطاب ، وأول من حاربه هو طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر ، ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وأمثالهم كثيرون .
وإن عجبي لكبير وسوف لن ينتهي ، كما يؤيدني في ذلك كل مفكر حر ، عاقل ، كيف يجمع علماء أهل السنة والجماعة على عدالة الصحابة كافة ويترضون عليهم بل ويصلون عليهم أجمعين ، لا يستثنون منهم واحدا حتى قال بعضهم : « إلعن يزيد ولا تزيد » فأين يزيد من هذه المآسي التي لا يقرها دين ولا عقل ، وإنني أربأ بأهل السنة والجماعة إن كانوا حقا يتبعون سنة الرسول ، أن يحكموا بعدالة من حكم القرآن والسنة بفسقه وارتداده وكفره وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله « من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ، ومن سب الله أكبه على منخريه في النار »(1).
هذا جزاء من سب عليا فما بالك بمن لعنه وحاربه وقاتله فأين علماؤنا من كل هذه الحقائق ، أم على قلوب أقفالها .
وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون .

2 - الصحابة غيروا حتى في الصلاة
قال أنس بن مالك : ما عرفت شيئا مما كان على عهد النبي صلى الله عليه وآله مثل الصلاة ، قال أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها .
وقال الزهري دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت ما يبكيك فقال : لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة وقد ضيعت(2).
____________
( 1 ) مستدرك الحاكم ج 3 ص 121 خصائص النسائي ص 24 . مسند الامام أحمد ج 6 ص 33 المناقب للخوارزمي ص 81 . الرياض النضرة للطبري ج 2 ص 219 . تاريخ السيوطي ص 73 .
( 2 ) صحيح البخاري ج 1 ص 74 .
( 131 )
وحتى لا يتوهم أحد أن التابعين هم الذين غيروا ما غيروا بعد تلك الفتن والحروب ، أود أن أذكر بأن أول من غير سنة الرسول في الصلاة هو خليفة المسلمين نفسه عثمان بن عفان وكذلك أم المومنين عائشة ، فقد أخرج الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما : أن رسول الله صلى الله عليه وآله ، صلى بمنى ركعتين ، وأبو بكر بعده ، وعمر بعد أبي بكر وعثمان صدرا من خلافته ، ثم أن عثمان صلى بعد أربعا(1).
كما أخرج مسلم في صحيحه ، قال الزهري قلت لعروة مابال عائشة تتم الصلاة في السفر ؟ قال إنها تأولت كما تأول عثمان (2).
سبحان الله ! وهل هناك تأويل يمحق السنة النبوية غير هذا وأمثاله من التأويلات ؟ وهل يلوم أحد بعد هذا أبا حنيفة . أو أحد الائمة أصحاب المذاهب الذين تأولوا ، فحللوا وحرموا وفق تأويلهم واجتهادهم مقتدين في ذلك بسنة هؤلاء الصحابة .
وكان عمر بن الخطاب يجتهد ويتأول مقابل النصوص الصريحة من السنن النبوية بل في مقابل النصوص الصريحة من القرآن الحكيم فيحكم برأيه ، كقوله : « متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما » ، ويقول لمن أجنب ولم يجد ماء : « لا تصل » . رغم قول الله تعالى في سورة المائدة : ( فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ) .
أخرج البخاري في صحيحه في باب « إذا خاف الجنب على نفسه » قال : سمعت شقيق بن سلمة قال : كنت عند عبدالله وأبي موسى فقال له أبوموسى أرأيت ياأبا عبدالرحمن إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع فقال عبدالله لا يصلي حتى يجد الماء فقال أبوموسى فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي (ص) كان يكفيك أن تضرب ضربتين وعلمه التيمم ، قال : ألم تر عمر لم يقنع بذلك فقال أبوموسى فدعنا من قول عمار كيف تصنع بهذه الآية فما درى عبدالله ما يقول
____________
( 1 ) صحيح البخاري ج 2 ص 154 ، صحيح مسلم ج 1 ص 260 .
( 2 ) صحيح مسلم ج 2 ص 143 كتاب صلاة المسافرين .
( 132 )
فقال إنا لو رخصنا لهم في هذا لاوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم فقلت لشقيق : فإنما كره عبدالله لهذا ، قال : نعم(1).
ما شا الله ! لقد نصب عبدالله هذا نفسه إماما على الامة فأفتى بما يحلو له وبما شاء هو ، لا بما اقتضته أحكام الله التي أنزلها في القرآن ، ورغم استدلال أبي موسى الاشعري بآية التيمم يقول عبدالله : « إنا لو رخصنا لهم في هذا » فمن أنت يا هذا ؟ ؟ حتى تحلل وتحرم وترخص وتمنع كما تريد ، ولعمري إنك اتبعت في ذلك سنة من قبلك وأصررت على العناد لتأييد رأيه الذي كان يفتي بترك الصلاة عند فقدان الماء ولم يقتنع باحتجاج عمار بن ياسر عليه بالسنة النبوية كما لم تقتنع أنت باحتجاج أبي موسى بالآية القرآنية ! ، أفبعد هذا يدعي علماؤنا بأن الصحابة كالنجوم بأيهم اقتدينا اهتدينا ، ( أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون ! ! ) ( النجم : 59 ) .

3 - الصحابة يشهدون على أنفسهم
روى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال للانصار : إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض . قال أنس فلم نصبر(2).
وعن العلاء بن المسيب عن أبيه قال : لقيت البراء بن عازب رضي الله عنهما فقلت طوبى لك صحبت النبي صلى الله عليه وآله وبايعته تحت الشجرة ، فقال : يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده(3) .
وإذا كان هذا الصحابي من السابقين الاولين الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وآله تحت الشجرة ، ورضي الله عنهم وعلم ما في قلوبهم فأثابهم فتحا قريبا ، يشهد على نفسه وعلى أصحابه بأنهم أحدثوا بعد النبي وهذه الشهادة هي مصداق ما أخبر
____________
( 1 ) صحيح البخاري ج 1 ص 54 .
( 2 ) صحيح البخاري ج 2 ص 135 .
( 3 ) صحيح البخاري ج 3 ص 32 باب غزوة الحديبية .
( 133 )
به صلى الله عليه وآله وتنبأ به من أن أصحابه سيحدثون بعده ويرتدون على أدبارهم فهل يمكن لعاقل بعد هذا أن يصدق بعدالة الصحابة كلهم أجمعين ( أكتعين أبصعين ) على ما يقول به أهل السنة والجماعة ، والذي يقول هذا القول فإنه يخالف العقل والنقل ولا يبقى للباحث أي مقاييس فكرية يعتمدها للوصول إلى الحقيقة .

4 - شهادة الشيخين على نفسيهما
أخرج البخاري في صحيحه في باب مناقب عمر بن الخطاب قال : لما طعن عمر جعل يألم فقال له ابن عباس وكأنه يجزعه : ياأمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت صحابتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون .
قال : أما ما ذكرت من صحبة رسول الله ورضاه فإنما ذاك من من الله تعالى من به علي ، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك من من الله جل ذكره من به علي ، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك والله لو أن لي طلاع الارض ذهبا لافتديت به من عذاب الله عزوجل قبل أن أراه(1).
وقد سجل التاريخ له أيضا قوله : ليتني كنت كبش أهلي يسمنونني مابدا لهم حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون فجعلوا بعضي شواء وقطعوني قديدا ثم أكلوني وأخرجوني عذرة ولم أكن بشرا(2).
كما سجل التاريخ لابي بكر مثل هذا ، قال لما نظر أبوبكر إلى طائر على شجرة : طوبى لك ياطائر تأكل الثمر وتقع على الشجر وما من حساب ولا عقاب عليك ، لوددت أني شجرة على جانب الطريق مر علي جمل فأكلني وأخرجني في بعره ولم أكن من البشر(3).
____________
( 1 ) صحيح البخاري ج 2 ص 201 .
( 2 ) منهاج السنة لابن تيمية ج 3 ص 131 . حلية الاولياء لابي نعيم ج 1 ص 52 .
( 3 ) تاريخ الطبري ص 41 . الرياض النضرة ج 1 ص 134 . كنز العمال ص 361 . منهاج السنة لابن تيمية ، ج 3 ص 120 .
( 134 )
وقال مرة أخرى : « ليت أمي لم تلدني ، ليتني كنت تبنة في لبنة »(1) . . . تلك بعض النصوص أوردتها على نحو المثال لا الحصر .
وهذا كتاب الله يبشر عباده المؤمنين بقوله :
( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون ، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم )(2).
ويقول أيضا : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم )(3). صدق الله العلي العظيم .
فكيف يتمنى الشيخان أبوبكر وعمر أن لا يكونا من البشر الذي كرمه الله على سائر مخلوقاته .
وإذا كان المؤمن العادي الذي يستقيم في حياته تتنزل عليه الملائكة وتبشره بمقامه في الجنة فلا يخاف من عذاب الله ولا يحزن على ما خلف وراءه في الدنيا وله البشرى في الحياة الدنيا قبل أن يصل إلى الآخرة ، فما بال عظماء الصحابة الذين هم خير الخلق بعد رسول الله - كما تعلمنا ذلك - يتمنون أن يكونوا عذرة ، وبعرة ، وشعرة ، وتبنة ، ولو أن الملائكة بشرتهم بالجنة ما كانوا ليتمنوا أن لهم مثل طلاع الارض ذهبا ليفتدوا به من عذاب الله قبل لقاه .
قال تعالى : ( ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الارض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون )(4).
____________
( 1 ) تاريخ الطبري ص 41 الرياض النضرة ج 1 ص 134 . كنز العمال ص 361 . منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج 3 ص 120 .
( 2 ) سورة يونس : آية 62 و 63 و 64 .
( 3 ) سورة فصلت : آية 30 ، 31 ، 32 .
( 4 ) سورة يونس : آية 54 .
( 135 )
وقال أيضا : ( ولو أن للذين ظلموا ما في الارض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ، وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون )(1).
وإنني أتمنى من كل قلبي أن لا تشمل هذه الآيات ، صحابة كبارا أمثال أبي بكر الصديق وعمر الفاروق . .
بيد أنني أتوقف كثيرا عند مثل هذه النصوص لاطل على مقاطع مثيرة من علاقتهم مع الرسول صلى الله عليه وآله وما شهدتها تلك العلاقة من تخلف عن إجراء أوامره وتلبية طلبه في اللحظات الاخيرة من عمره المبارك الشريف مما أغضبه ودفعه إلى أن يأمر الجميع بمغادرة المنزل وتركه ، كما أنني أستحضر أمامي شريط الحوادث التي جرت بعد وفاة الرسول وما جرى مع ابنته الزهراء الطاهرة من إيذاء وهضم وغمط وقد قال صلى الله عليه وآله : « فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني »(2).
وقالت فاطمة لابي بكر وعمر :
نشدتكما الله تعالى ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : « رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب ابنتي فاطمة فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ، قالا : نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت : فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لاشكونكما إليه »(3).
ودعنا من هذه الرواية التي تدمي القلوب ، فلعل ابن قتيبة وهو من علماء أهل السنة المبرزين في كثير من الفنون وله تآليف عديدة في التفسير والحديث واللغة والنحو والتاريخ ، لعله تشيع هو الآخر كما قال لي أحد المعاندين مرة عندما أطلعته على كتابه تاريخ الخلفاء ، وهذه هي الدعاية التي يلجأ إليها بعض علمائنا بعدما تعييهم الحيلة ، فالطبري عندنا تشيع والنسائي الذي ألف كتابا في
____________
( 1 ) سورة الزمر : آية 47 ، 48 .
( 2 ) صحيح البخاري ج 2 ص 206 باب مناقب قرابة رسول الله ( ص ) .
( 3 ) الامامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 20 . فدك في التاريخ ص 92 .
( 136 )
خصائص الامام علي تشيع وابن قتيبة تشيع وحتى طه حسين من المعاصرين لما ألف كتابه الفتنة الكبرى وذكر حديث الغدير واعترف بكثير من الحقائق الاخرى فهو أيضا تشيع ! ! .
والحقيقة أن كل هؤلاء لم يتشيعوا وعندما يتكلمون عن الشيعة لا يذكرون عنهم إلا ما هو مشين ، وهم يدافعون عن عدالة الصحابة بكل ما أمكنهم ، ولكن الذي يذكر فضائل علي بن أبي طالب ويعترف بما فعله كبار الصحابة من أخطاء نتهمه بأنه تشيع ، ويكفي أن تقول أمام أحدهم عند ذكر النبي : « صلى الله عليه وآله » او « تقول علي ( ع ) » ، حتى يقال : إنك شيعي ، وعلى هذا الاساس قلت يوما لاحد علمائنا وأنا أحاوره : ما رأيك في البخاري ؟ قال : هو من أئمة الحديث وكتابه أصح الكتب بعد كتاب الله عندنا وقد أجمع على ذلك علماؤنا .
فقلت له : إنه شيعي ، فضحك مستهزئا وقال : حاشى الامام البخاري أن يكون شيعيا ! ! قلت : أو ليس أنك ذكرت بأن كل من يقول : « علي ( ع ) » فهو شيعي ؟ قال : بلى ، فأطلعته ومن حضر معه على صحيح البخاري وفي عدة مواقع عندما يأتي باسم علي يقول : ( عليه السلام ) وفاطمة ( عليها السلام ) والحسين بن علي ( عليهما السلام )(1) فبهت وما دري ما يقول .
وأعود إلى رواية ابن قتيبة التي ادعى فيها أن فاطمة غضبت على أبي بكر وعمر ، فإذا شككت فيها فإنه لا يمكنني أن أشك في صحيح البخاري الذي هو عندنا أصح الكتب بعد كتاب الله ، وقد ألزمنا أنفسنا بأنه صحيح وللشيعة أن يحتجوا به علينا ويلزموننا بما ألزمنا به أنفسنا وهذا هو الانصاف للقوم العاقلين .
فها هو البخاري يخرج من باب مناقب قرابة رسول الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني .
كما أخرج في باب غزوة خيبر ، عن عائشة أن فاطمة ( عليها السلام ) بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله فأبى أبوبكر أن يدفع إلى
____________
( 1 ) صحيح البخاري ج 1 ص 127 ، 130 وج 2 ص 126 ، 205 .
( 137 )
فاطمة منه شيئا فوجدت(1) فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت(2) .
والنتيجة في النهاية هي واحدة ذكرها البخاري باختصار وذكرها ابن قتيبة بشيء من التفصيل ، ألا وهي أن رسول الله صلى الله عليه وآله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها وأن فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر وعمر .
وإذا كان البخاري قد قال : ماتت وهي واجدة على أبي بكر فلم تكلمه حتى توفيت فالمعنى واحد كما لا يخفى ، وإذا كانت فاطمة سيدة نساء العالمين كما صرح بذلك البخاري في كتاب الاستئذان باب من ناجى بين يدي الناس ، وإذا كانت فاطمة هي المرأة الوحيدة في هذه الامة ، التي أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيرا ، فلا يكون غضبها لغير الحق ولذلك يغضب الله ورسوله لغضبها ، ولهذا قال أبوبكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب أبوبكر باكيا حتى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : والله لادعون الله عليك في كل صلاة أصليها ، فخرج أبوبكر يبكي ويقول : لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتي(3).
غير أن كثيرا من المؤرخين ومن علمائنا ، يعترفون بأن فاطمة ( عليها السلام ) خاصمت أبابكر في قضية النحلة والارث وسهم ذي القربى فردت دعواها حتى ماتت وهي غاضبة عليه ، إلا أنهم يمرون بهذه الاحداث مرور الكرام ولا يريدون التكلم فيها حفاظا على كرامة أبي بكر كما هي عادتهم في كل ما يمسه من قريب أو بعيد ؛ ومن أعجب ما قرأته في هذا الموضوع قول بعضهم بعد ما ذكر الحادثة بشيء من التفصيل قال : « حاشى لفاطمة من أن تدعي ما ليس لها بحق ، وحاشى لابي بكر من أن يمنعها حقها » .
وبهذه السفسطة ظن هذا العالم أنه حل المشكلة وأقنع الباحثين وكلامه هذا
____________
( 1 ) وجدت : غضبت .
( 2 ) صحيح البخاري ج 3 ص 39 .
( 3 ) تاريخ الخلفاء المعروف بالامامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج 1 ص 20 .
( 138 )
كقول القائل : « حاشى للقرآن الكريم أن يقول غير الحق ، وحاشى لبني إسرائيل أن يعبدوا العجل » .
لقد ابتلينا بعلماء يقولون ما لا يفقهون ويؤمنون بالشيء ونقيضه في نفس الوقت والحال يؤكد أن فاطمة ادعت وأبابكر رفض دعواها فإما أن تكون كاذبة و « العياذ بالله » حاشاها ، أو أن يكون أبوبكر ظالما لها وليس هناك حل ثالث للقضية كما يريدها بعض علمائنا .
وإذا امتنع بالادلة العقلية والنقلية أن تكون سيدة النساء كاذبة لما ثبت عن أبيها رسول الله قوله : فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ، ومن البديهي أن الذي يكذب لا يستحق مثل هذا النص من قبل الرسول صلى الله عليه وآله ، فالحديث بذاته دال على عصمتها من الكذب وغيره من الفواحش ، كما أن آية التطهير دالة هي الاخرى على عصمتها وقد نزلت فيها وفي بعلها وابنيها بشهادة عائشة نفسها(1) ، فلم يبق إذن إلا أن يعترف العقلاء بأنها ظلمت فليس تكذيبها في دعواها إلا أمرا ميسورا لمن استباح حرقها إن لم يخرج المتخلفون في بيتها لبيعتهم(2).
ولكل هذا تراها - سلام الله عليها - لم تأذن لهما في الدخول عليها عندما استأذنها أبوبكر وعمر ، ولما أدخلهما علي أدارت بوجهها إلى الحائط وما رضيت أن تنظر إليهما(3).
وقد توفيت ودفنت في الليل سرا بوصية منها حتى لا يحضر جنازتها أحد منهم(4) ، وبقى قبر بنت الرسول مجهولا حتى يوم الناس هذا وإنني أتسأل لماذا يسكت علماؤنا عن هذه الحقائق ولا يريدون البحث فيها ولا حتى ذكرها ، ويصورون لنا صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وكأنهم ملائكة لا يخطئون ولا يذنبون .
وإذا ما سألت أحدهم كيف يقتل خليفة المسلمين سيدنا عثمان ذو النورين
____________
( 1 ) صحيح مسلم ج 7 ص 121 وص 130 .
( 2 ) و ( 3 ) تاريخ الخلفاء ج 1 ص 20 .
( 4 ) صحيح البخاري ج 3 ص 39 .
( 139 )
فسيجيبك بأن المصريين - وهم كفرة - جاؤوا وقتلوه وينهي الموضوع كله بجملتين .
ولكن عندما وجدت الفرصة للبحث وقراءة التاريخ وجدت أن قتلة عثمان بالدرجة الاولى هم الصحابة أنفسهم وفي مقدمتهم أم المؤمنين عائشة التي كانت تنادى بقتله وإباحة دمه على رؤوس الاشهاد فكانت تقول « اقتلوا نعثلا فقد كفر »(1).
كذلك نجد طلحة والزبير ومحمد بن أبي بكر وغيرهم من مشاهير الصحابة وقد حاصروه ومنعوه من شرب الماء ليجبروه على الاستقالة ، ويحدثنا المؤرخون أن الصحابة هم الذين منعوا دفن جثته في مقابر المسلمين فدفن في « حش كوكب » بدون غسل ولا كفن ، سبحان الله ، كيف يقال لنا إنه قتل مظلوما وأن الذين قتلوه ليسوا مسلمين ، وهذه القضية هي الاخرى كقضية فاطمة وأبي بكر ، فإما أن يكون عثمان مظلوما وعند ذلك نحكم على الصحابة الذين قتلوه أو شاركوا في قتله بأنهم قتلة مجرمون لانهم قتلوا خليفة المسلمين ظلما وعدوانا وتتبعوا جنازته يحصبونها بالحجارة وأهانوه حيا وميتا أو أن هؤلاء الصحابة استباحوا قتل عثمان لما اقترفه من أفعال تتنافى مع الاسلام كما جاء ذلك في كتب التاريخ ، وليس هناك ا حتمال وسط إلا إذا كذبنا التاريخ وأخذنا بالتمويه « بأن المصريين وهم كفرة هم الذين قتلوه » .
وفي كلا الاحتمالين نفي قاطع لمقولة عدالة الصحابة أجمعين دون استثناء فأما أن يكون عثمان غير عادل أو يكون قتلته غير عدول وكلهم من الصحابة وبذلك تبطل دعوانا .
وتبقى دعوى شيعة أهل البيت القائلين بعدالة البعض منهم دون الآخر .
ونتسأل عن حرب الجمل التي أشعلت نارها أم المؤمنين عائشة إذ كانت
____________
( 1 ) تاريخ الطبري ج 4 ص 407 تاريخ ابن الاثير ج 3 ص 206 لسان العرب ج 14 ص 193 تاج العروس ج 8 ص 141 العقد الفريد ج 4 ص 290 .
( 140 )
هي التي قادتها بنفسها ، فكيف تخرج أم المؤمنين عائشة من بيتها التي أمرها الله بالاستقرار فيه بقوله تعالى : ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى )(1).
ونسأل بأي حق استباحت أم المؤمنين قتال خليفة المسلمين علي بن أبي طالب . وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة .
وكالعادة وبكل بساطة يجيبنا علماؤنا بأنها لا تحب الامام عليا لانه أشار على رسول الله بتطليقها في حادثة الافك ، ويريد هؤلاء إقناعنا بأن هذه الحادثة « إن صحت » وهي إشارة علي على النبي بتطليقها كافية بأن تعصي أمر ربها وتهتك سترا ضربه عليها رسول الله ، وتركب جملا نهاها رسول الله أن تركبه وحذرها أن تنبحها كلاب الحوأب(2) ، وتقطع المسافات البعيدة من المدينة إلى مكة ومنها إلى البصرة ، وتستبيح قتل الابرياء ومحاربة أمير المؤمنين والصحابة الذين بايعوه ، وتتسبب في قتل ألوف المسلمين كما ذكر ذلك المؤرخون(3) كل ذلك لانها لا تحب الامام عليا الذي أشار بتطليقها ومع ذلك لم يطلقها النبي ، فلماذا كل هذه الكراهية وقد سجل المؤرخون لها مواقف عدائية للامام علي لا يمكن تفسيرها ، فقد كانت راجعة من مكة عندما أعلموها في الطريق بأن عثمانا قتل ففرحت فرحا شديدا ولكنها عندما علمت بأن الناس بايعوا عليا غضبت وقالت : وددت أن السماء انطبقت على الارض قبل أن يليها ابن أبي طالب وقالت ردوني وبدأت تشعل نار الفتنة للثورة على علي الذي لا تريد ذكر اسمه كما سجله المؤرخون عليها ، أفلم تسمع أم المؤمنين قول الرسول صلى الله عليه وآله : « بأن حب على إيمان وبغضه نفاق »(4) حتى قال بعض الصحابة : « كنا لا نعرف المنافقين إلا ببغضهم لعلي » .
أو لم تسمع أم المؤمنين قول النبي : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ... إنها
____________
( 1 ) سورة الاحزاب : آية 33 .
( 2 ) الامامة والسياسة .
( 3 ) الطبري وابن الاثير والمدائني وغيرهم من المؤرخين الذين أرخوا حوادث سنة ست وثلاثين للهجرة .
( 4 ) صحيح مسلم ج 1 ص 48 .
( 141 )
لا شك سمعت كل ذلك ولكنها لا تحبه ولا تذكر اسمه بل إنها لما سمعت بموته سجدت شكرا لله(1).
ودعني من كل هذا فأنا لا أريد البحث عن تاريخ أم المؤمنين عائشة ولكن أريد الاستدلال على مخالفة كثير من الصحابة لمبادئ الاسلام وتخلفهم عن أوامر رسول الله صلى الله عليه وآله ، ويكفيني من فتنة أم المؤمنين دليل واحد أجمع عليه المؤرخون ؛ قالوا لما جازت عائشة ماء الحوأب ونبحتها كلابها تذكرت تحذير زوجها رسول الله ونهيه إياها أن تكون هي صاحبة الجمل ، فبكت وقالت ردوني ، ردوني .
ولكن طلحة والزبير جاءاها بخمسين رجلا جعلا لهم جعلا ، فأقسموا بالله أن هذا ليس بماء الحوأب فواصلت مسيرها حتى البصرة ، ويذكر المؤرخون أنها أول شهادة زور في الاسلام(2).
دلونا أيها المسلمون يا أصحاب العقول النيرة على حل لهذا الاشكال ، أهؤلاء هم الصحابة الاجلاء الذين نحكم نحن بعدالتهم ونجعلهم أفضل البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ! فيشهدون شهادة الزور التي عدها رسول الله صلى الله عليه وآله من الكبائر الموبقة التي تقود إلى النار .
والسؤال نفسه يعود دائما ويتكرر أيهم على الحق وأيهم على الباطل ، فإما أن يكون علي ومن معه ظالمين وعلى غير الحق ، وإما أن تكون عائشة ومن معها وطلحة والزبير ومن معهم ظالمين وعلى غير الحق وليس هناك احتمال ثالث ، والباحث المنصف لا أراه إلا مائلا لاحقية علي الذي يدور الحق معه حيث دار ، نابذا فتنة « أم المؤمنين عائشة » وأتباعها الذين أوقدوا نارها وما أطفأوها حتى أكلت الاخضر واليابس وبقيت آثارها إلى اليوم .
ولمزيد البحث وليطمئن قلبي أقول أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر ، قال : لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى
____________
( 1 ) الطبري وابن الاثير والفتنة الكبرى وكل المؤرخين الذي أرخوا حوادث سنة أربعين للهجرة .
( 2 ) الطبري وابن الاثير والمدائني وغيرهم من المؤرخين الذين أرخوا لسنة ست وثلاثين للهجرة .
( 142 )
البصرة بعث علي عمار بن ياسر والحسن بن علي فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه فسمعت عمارا يقول : إن عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة ، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي(1).
كما أخرج البخاري أيضا في كتاب الشروط باب ما جاء في بيوت أزواج النبي ، قال : قام النبي صلى الله عليه وآله خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال هاهنا الفتنة ، هاهنا الفتنة ، هاهنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان(2).
كما أخرج البخاري في صحيحه عنها أشياء عجيبة وغريبة في سوء أدبها مع النبي حتى ضربها أبوها فأسال دمها وفي تظاهرها على النبي حتى هددها الله بالطلاق وأن يبدله ربه خيرا منها وهذه قصص أخرى يطول شرحها .
وبعد كل هذا أتسأل كيف استحقت عائشة كل هذا التقدير والاحترام من أهل السنة والجماعة ، ألانها زوج النبي ، فزوجاته كثيرات وفيهن من هي أفضل من عائشة بتصريح النبي نفسه(3).
أم لانها ابنة أبي بكر ! أم لانها هي التي لعبت الدور الكبير في إنكار وصية النبي لعلي حتى قالت عندما ذكروا عندها أن النبي أوصى لعلي : قالت من قاله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وآله وإني لمسندته إلى صدري فدعا بالطست فانحنى فمات فما شعرت فكيف أوصى إلى علي(4).
أم لانها حاربته حربا لا هوادة فيها وأولاده من بعده حتى اعترضت جنازة الحسن سيد شباب أهل الجنة ومنعت أن يدفن بجانب جده رسول الله قائلة : لا تدخلوا بيتي من لا أحب ونسيت أو تجاهلت قول الرسول فيه وفي أخيه : « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة » ، أو قوله : « أحب الله من أحبهما وأبغض الله
____________
( 1 ) صحيح البخاري ج 4 ص 161 .
( 2 ) صحيح البخاري ص 128 .
( 3 ) صحيح الترمذي ، الاستيعاب ترجمة صفية ، الاصابة ترجمة صفية أم المؤمنين .
( 4 ) صحيح البخاري ج 3 ص 68 باب مرض النبي ووفاته .
( 143 )
من أبغضهما » ، أو قوله : « أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم » ؛ وغير ذلك كثير لست في معرض الكلام عنه ... كيف لا وهما ريحانتاه من هذه الامة .
ولا غرابة فقد سمعت في حق علي أضعاف ذلك ولكنها ورغم تحذير النبي صلى الله عليه وآله لها ، أبت إلا محاربته وتأليب الناس عليه وإنكار فضله وفضائله . ومن أجل ذلك أحبها الامويون وأنزلوها تلك المنزلة العظيمة التي تقصر عنها المنازل ورووا في فضلها ما ملأ المطامير وسارت به الركبان حتى جعلوها المرجع الاكبر للامة الاسلامية لان عندها وحدها نصف الدين .
ولعل نصف الدين الثاني خصوا به أبا هريرة الذي روى لهم ما يشتهون فقربوه وولوه إمارة المدينة وبنوا له قصر العقيق بعد ماكان معدما ، ولقبوه براوية الاسلام .
وبذلك سهل على بني أمية أن يكون لهم دين كامل جديد ليس فيه من كتاب الله وسنة رسوله إلا ما تهواه أنفسهم ويتقوى به ملكهم وسلطانهم وخليق بهذا الدين أن يكون لعبا وهزوا مليئا بالمتناقضات والخرافات ، وبذلك طمست الحقائق وحلت محلها الظلمات ، وقد حملوا الناس عليها وأغروهم بها حتى أصبح دين الله عندهم مهزلة من المهازل لا يقيمون له وزنا ولا يخافون من الله كخوفهم من معاوية .
وعندما نسأل بعض علمائنا عن حرب معاوية لعلي وقد بايعه المهاجرون والانصار ، تلك الحرب الطاحنة التي سببت انقسام المسلمين إلى سنة وشيعة وانصدع الاسلام ولم يلتئم حتى اليوم ، فإنهم يجيبون كالعادة وبكل سهولة قائلين : إن عليا ومعاوية صحابيان جليلان اجتهدا فعلي اجتهد وأصاب فله أجران أما معاوية فاجتهد وأخطأ وله أجر واحد .
وليس من حقنا نحن أن نحكم لهم أو عليهم وقد قال الله تعالى : ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ).
هكذا - وللاسف - تكون إجاباتنا وهي كما ترى سفسطة لا يقول بها عقل ولا دين ولا يقر بها شرع ، اللهم إني أبرأ إليك من خطل الآراء وزلل الاهواء
( 144 )
و ( أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ).
كيف يحكم العقل السليم باجتهاد معاوية ويعطيه أجراً على حربه إمام المسلمين وقتله المؤمنين الابرياء وارتكابه الجرائم والآثام التي لا يحصي عددها إلا الله وقد اشتهر عند المؤرخين بقتله معارضيه وتصفيتهم بطريقته المشهورة وهو إطعامهم عسلا مسموما وكان يقول : « إن لله جنودا من عسل » .
كيف يحكم هؤلاء باجتهاده ويعطونه أجرا وقد كان إمام الفئة الباغية ؟ ففي الحديث المشهور الذي أخرجه كل المحدثين من السنة والشيعة وسواهم : « ويح عمار تقتله الفئة الباغية » ولم يختلف اثنان من المسلمين على أن الذي قتل عمارا وأصحابه هو معاوية ! كيف يحكمون باجتهاده وقد قتل حجر بن عدي وأصحابه صبرا ودفنهم في مرج عذراء ببادية الشام لانهم امتنعوا عن سب علي بن أبي طالب .
كيف يريدونه صحابيا عادلا وقد دس السم للحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة وقتله .
كيف ينزهونه وقد أخذ البيعة من الامة بالقوة والقهر لنفسه أولا ثم لابنه الفاسق يزيد من بعده وبدل نظام الشورى بالملكية القيصرية(1).
كيف يحكمون باجتهاده ويعطونه أجرا وقد حمل الناس على لعن علي وأهل البيت ذرية المصطفى من فوق المنابر ، وقتل الصحابة الذين امتنعوا عن ذلك وأصبحت سنة متبعة يهرم عليها الكبير ويشيب عليها الصغير فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
والسؤال يعود دائما ويتكرر ويلح : ترى أي الفريقين على الحق وأيهما على الباطل ؟ فإما أن يكون علي وشيعته ظالمين وعلى غير الحق .
وإما أن يكون معاوية وأتباعه ظالمين وعلى غير الحق ، وقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وآله كل شيء .
____________
( 1 ) راجع : الخلافة والملك للمودودي . ويوم الاسلام لاحمد الامين .
( 145 )
وفي كلا الحالين فإن عدالة الصحابة كلهم من غير استثناء أمر مستحيل ، لا ينسجم مع المنطق السليم .
ولكل هذه المواضيع أمثلة كثيرة لا يحصي عددها إلا الله ولو أردت الدخول في التفصيل وبحث هذه المواضيع من كل جوانبها لاحتجت إلى مجلدات كثيرة ولكنني رمت الاختصار وأخذت في هذا البحث بعض الامثلة وهي بحمد الله كافية لابطال مزاعم قومي الذين جمدوا فكري ردحا من الزمن وحجروا علي أن أفقه الحديث أو أحلل الاحداث التاريخية بميزان العقل والمقاييس الشرعية التي علمنا إياها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة .
ولذلك سوف أتمرد على نفسي وأنفض عني غبار التعصب الذي غلفوني به وأتحرر من القيود والاغلال التي كبلوني بها أكثر من عشرين عاما ولسان حالي يقول لهم : يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين .
ياليت قومي اكتشفوا العالم الذي يجهلونه ويعادونه دون أن يعرفوه .

* * *
( 146 )
( 147 )

بداية التحول

بقيت متحيرا ثلاثة أشهر مضطربا حتى في نومي تتجاذبني الافكار وتموج بي الظنون والاوهام خائفا على نفسي من بعض الصحابة الذين أحقق في تاريخهم فأقف على بعض المفارقات المذهلة في سلوكهم ، لان التربية التي تلقيتها طيلة حياتي تدعوني إلى احترام أولياء الله والصالحين من عباده وتقديسهم ، الذين ( يؤذون ) من يقول فيهم سوءا أو يسيء إليهم الادب حتى في غيابهم وإن كانوا موتى .
ولقد قرأت في ما سبق في كتاب حياة الحيوان الكبرى للدميري(1) : أن رجلا كان يشتم عمر بن الخطاب وكان أصحابه في القافلة ينهونه فلما ذهب يتبول لدغه أسود سالخ فمات لحينه وحفروا له لدفنه فوجدوا في القبر أسود سالخا ثم حفروا قبورا أخرى وفي كل مرة يجدون أسود سالخا ، فقال لهم أحد العارفين ادفنوه أنى شئتم فلو حفرتم الارض كلها لوجدتم أسود سالخا ذلك ليعذبه الله في الدنيا قبل الآخرة على شتمه سيدنا عمر .
ولذلك وجدتني وأنا أقحم نفسي في هذا البحث العسير خائفا محتارا وخصوصا لانني تعلمت في الفرع الزيتوني بأن أفضل الخلفاء على التحقيق سيدنا أبوبكر الصديق ثم يأتي بعده سيدنا عمر بن الخطاب الفاروق الذي يفرق الله به بين الحق والباطل ، ثم بعده سيدنا عثمان بن عفان ذو النورين الذي استحت منه
____________
( 1 ) كتاب حياة الحيوان الكبرى للدميري . هذه القصة توجد في حديثه عن الاسود السالخ .
( 148 )
ملائكة الرحمن ، ثم بعده سيدنا علي باب مدينة العلم ، ثم يأتي بعد هؤلاء الاربعة الستة الباقون من العشرة المبشرين بالجنة وهم ، طلحة والزبير وسعد وسعيد ، و عبدالرحمن ، وأبوعبيدة ، ثم يأتي بعد هؤلاء الصحابة جميعا ، وكثيرا ما كانوا يعلموننا الاستدلال بالآية الكريمة ( لا نفرق بين أحد من رسله ) على وجوب النظر إلى بقية الصحابة بالمنظار نفسه دون خدش أي واحد منهم .
وعلى هذا خشيت على نفسي واستغفرت ربي مرات عديدة أردت فيها الانقطاع عن البحث في مثل هذه الامور التي تشككني في صحابة رسول الله وبالتالي تشككني في ديني ولكني وجدت من خلال الحديث مع بعض العلماء طيلة تلك المدة تناقضات لا يقبلها العقل وبدأوا يحذرونني من أنني إن واصلت البحث في أحوال الصحابة فسوف يسلب الله نعمته عني ويهلكني ، ومن كثرة معاندتهم وتكذيبهم كل ما أقول دفعني فضولي العلمي وحرصي على بلوغ الحقيقة إلى أن أقحم نفسي من جديد في البحث ووجدت قوة داخلية تدفعني دفعا .

* * *
( 149 )

محاورة مع عالم

قلت لاحد علمائنا : إذا كان معاوية قتل الابرياء وهتك الاعراض وتحكمون بأنه اجتهد وأخطأ وله أجر واحد .
وإذا كان يزيد قتل أبناء الرسول وأباح المدينة لجيشه وتحكمون بأنه اجتهد وأخطأ وله أجر واحد حتى قال بعضكم : « قتل الحسين بسيف جده » لتبرير فعل يزيد .
فلماذا لا أجتهد أنا في البحث وهو ما يجرني للشك في الصحابة وتعرية البعض منهم وهذا لا يقاس بالنسبة للقتل الذي فعله معاوية وابنه يزيد في العترة الطاهرة ، فإن أصبت فلي أجران وإن أخطأت فلي أجر « واحد » ، على أن انتقاصي لبعض الصحابة لا أريد منه السب والشتم واللعن ، وإنما أريد الوصول إلى الحقيقة لمعرفة الفرقة الناجية من بين الفرق الضالة .
وهذا واجبي وواجب كل مسلم ، والله سبحانه يعلم السرائر وما تخفى الصدور .
أجابني العالم قائلا :
- يا بني لقد أغلق باب الاجتهاد من زمان .
- فقلت ومن أغلقه ؟ .
- قال الائمة الاربعة .
( 150 )
- فقلت متحررا : الحمد لله إذ لم يكن الله هو الذي أغلقه ولا رسول الله ولا الخلفاء الراشدون الذين « أمرنا بالاقتداء بهم » فليس علي حرج إذا اجتهدت كما اجتهدوا .
- فقال : لا يمكنك الاجتهاد إلا إذا عرفت سبعة عشر علما ، منها علم التفسير واللغة والنحو والصرف والبلاغة والاحاديث والتاريخ وغير ذلك .
- وقاطعته قائلا : أنا لن اجتهد لابين للناس أحكام القرآن والسنة أو لاكون صاحب مذهب في الاسلام ، كلا ، ولكن لاعرف من على الحق ومن على الباطل ، ولمعرفة إن كان الامام علي على الحق ، أو معاوية مثلا ولا يتطلب ذلك الاحاطة بسبعة عشر علما ، ويكفي أن أدرس حياة كل منهما وما فعلاه حتى أتبين الحقيقة .
- قال : وما يهمك أن تعرف ذلك ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ).
قلت : أتقرأ « ولا تسألون »بفتح التاء أم بضمها ؟ .
- قال : تسألون بالضم .
قلت : الحمد لله لو كانت بالفتح لامتنع البحث ، وما دامت بالضم فمعناها أن الله سبحانه سوف لن يحاسبنا عما فعلوا وذلك كقوله تعالى : ( كل نفس بما كسبت رهينة ) و ( أن ليس للانسان إلا ما سعى ).
وقد حثنا القرآن الكريم على استطلاع أخبار الامم السابقة ولنستخلص منها العبرة ، وقد حكى الله لنا عن فرعون وهامان ونمرود وقارون وعن الانبياء السابقين وشعوبهم ، لا للتسلية ولكن ليعرفنا الحق من الباطل .
أما قولك « وما يهمني من هذا البحث » ؟ .
فأجيب عليه بقولي : يهمني :
* أولاً : لكي أعرف ولي الله فأواليه وأعرف عدو الله فأعاديه وهذا ما طلبه مني القرآن بل أوجبه علي .

Anonymous said...

وقد ثبت في الصحيحين عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا).(1)[1]
__________
(1) صحيح البخاري ج7 ص97 كتاب الأدب باب قول الله تعالى: ( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) وما ينهى عن الكذب ومسلم ج 4 ص 2013 كتاب الصلة والآداب باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله واللفظ لمسلم.